السبت، مارس 01، 2008

أوصد بعض الأبواب!

في مقالة في النيويورك تايمز بعنوان "فائدة إيصاد بعض الأبواب"، يتعرض الكاتب إلى عدم قدرة تخلي معظم الناس عن بعض الخيارات في حياتهم، حتى لو كانت هذه الخيارات غير عقلانية، وذلك لأن التخلي عن بعض الخيارات في الحياة هو أمر مؤلم نفسيا لمعظم الناس، بسبب شعور الفقد المصاحب له. ويستشهد الكاتب بدراسة أجراها د. دان أريلي، وهو باحث في الاقتصاديات السلوكية، أجراها في معهد مساتشوستس للتقنية (MIT)، كانت عبارة عن سلسلة من التجارب أجراها مئات من طلاب المعهد من خلال لعبة حاسوب، لم يتمكنوا من خلالها من التخلي عن خيارات غير عقلانية، حتى لو كانت مكلفة بالنسبة لهم. وقد نشر الباحث كتابا أسماه "لاعقلانية بطريقة يمكن التنبؤ بها - Predictably Irrational"، يوضح فيه نتائج دراساته فيما يتعلق بلاعقلانية تصرفات الناس، ومنها هذه القضية، عدم التخلي عن الخيارات غير المفيدة في الحياة، حتى لو كانت مكلفة.

ويعزو الباحث هذا الأمر إلى حب الناس لإبقاء خياراتهم في الحياة متعددة ومفتوحة. لكن السبب الحقيقي المختبئ وراء هذا هو عدم قدرة الناس على تحمل الألم الفوري المتعلق بالتخلي عن الخيارات واستعدادهم لدفع ثمن عدم التخلي هذا، الثمن الذي قد يكون وقتا ضائعا أو فرصا حقيقية مفقودة.

يستشهد الكاتب بقصة أحد القادة الصينيين من القرن الثالث قبل الميلاد، جيانغ يو، عندما حرق سفن جيشه ليمنعهم من التفكير بالهزيمة والعودة، فيكون بذلك قد أوصد بابا لخيار لاعقلاني. كما يذكر الزواج كمثال، عندما يرتبط كل من الزوجين بالآخر فيغلقان الباب على أية علاقات أخرى في المستقبل.

ويخلص الكاتب أن علينا أن نتصرف مثل جيانغ يو، ونغلق أبوابا لاعقلانية في حياتنا حتى نتمكن من التركيز على الفرص الحقيقة والهامة التي نعيش من أجلها.

تعقيبات
  • عندما يفكر كل منا بتأن، يجد أنه هناك فعلا أبواب كثيرة في حياتنا نبقيها مفتوحة برغم عدم وجود فرص حقيقية للنفع منها، وبالرغم من الثمن الذي ندفعه لإبقائها. وربما كان من الأولى أن نتحلى بالشجاعة ونغلقها لنتمكن من التركيز على المهم فعلا في حياتنا. وقد يكون من المفيد أن نقوم بجرد دوري لهذه الأبواب وإغلاق ما لاينفع. وأذكر هنا حديث الرسول -ص-، "احرص على ما ينفعك".
  • لقد كفانا الإسلام شرورا كثيرة وأراحنا بإغلاق أبواب يعاني غيرنا من صعوبة إيصادها، وعلى رأسها الخمر والميسر والزنا، فكم من أسر حطمها إدمان الخمر، وكم من أناس دمرهم القمار، وكم شغل الجري وراء الشهوة عقول رجال وحول حياتهم إلى اضطراب. فالحمد لله الذي حرم علينا الخبائث وأوصد لنا أبواب السوء (مع الإشارة إلى أنه ليس المقصود في المقالة المذكورة أبواب الشرور بالضرورة، بل عموم الخيارات اللاعقلانية).
  • لا أدري لماذا استشهد الكاتب بجيانغ يو، مع أن هناك مثال أقرب في القرن الثامن الميلادي، وهو مثال طارق بن زياد، الذي قال عبارته الشهيرة بعد أن أحرق سفن جيشه: "البحر من ورائكم والعدو من أمامكم". هل لأنه لا يعلم عن طارق بن زياد؟ أم لأنه لا يحب أن يستشهد بشخصيات إسلامية؟ في الحالتين هناك غمط للتراث الإسلامي تعودناه من الغرب، ليس في تاريخ القادة العسكريين فقط، بل في تاريخ العلوم والعلماء والفكر والمفكرين. وما ذاك في رأيي إلا بسبب رواسب دفينة تعود إلى فترات لم تكن فيها العلاقة بين الغرب وبين المسلمين علاقة صحية. وعلينا أن نتعاون بيننا وبينهم على إزالة هذه الرواسب.