السبت، أغسطس 23، 2008

صوم رمضان وتغيير العادات


هناك اهتمام كبير عند الكثيرين بطرق تغيير العادات، التخلص من عادات قديمة ذات طابع سلبي، وبناء عادات جديدة أكثر إيجابية.

فعلى سبيل المثال، في مقالة في النيويورك تايمز (المعذرة إن كان مقالي السابق قد اشار أيضا إلى نفس الصحيفة - مجرد مصادفة!) في شهر مايو من هذا العام، بعنوان
"هل يمكن أن تصبح مخلوقا ذا عادات جديدة؟ Can You Become a Creature of New Habits"، تذكر فيه المؤلفة أن الباحثين في الدماغ البشري وجدوا أننا عندما نطور عادات سلوكية جديدة بصورة واعية، فإن أدمغتنا تبني مسارات عصبية جديدة، بل وحتى خلايا دماغية جديدة، تمكننا من دفع أفكارنا في اتجاهات جديدة ومبدعة. وبالتالي فبدلا من أن ننظر إلى أنفسنا على أننا مخلوقات صعبة التغيير أسيرة العادات، يمكننا أن ندير تغيير أنفسنا عن طريق تطوير عادات جديدة. وإن كل شيء جديد نجربه يشجعنا على أن نخطو خارج منطقة الراحة الخاصة بنا يزيد من قدرتنا على الإبداع في حياتنا العملية والشخصية. كما أن العادات الجديدة تساعد تلقائيا على محو العادات القديمة دون أن نتجشم عناء محوها بشكل مباشر.

الشاهد في الموضوع أن للإنسان قدرة كبيرة على تغيير العادات التي تضبط سلوكه، لكنه يحتاج إلى تحفيز لبدء هذه التغيير. و شهر رمضان المبارك يمثل فرصة ممتازة لتغيير مجموعة من العادات وبناء عادات جديدة وبالتالي إزالة عادات قديمة سلبية من حياتنا. هذه العادات تتنوع بين ما يتعلق منها بالجانب الديني والروحي لدى الصائم إلى الجانب الجسماني والصحي إلى الجانب العملي وتنظيم الوقت، إلى الجانب الاجتماعي والعلاقات بين الناس. ولنلقي نظرة سريعة على هذه الفرصة الممتازة في بناء عادات جديدة وربما بناء حياة جديدة أيضا.

فمع مستهل رمضان، ينتقل المسلمون من مجموعة سلوكيات تعودوا على ممارستها في الأيام المعتادة إلى مجموعة جديدة من العادات والسلوكيات التي تتناغم في إيقاع جديد مع مناسك العبادة في رمضان والأخلاقيات العالية التي يتطلبها الشهر الكريم.
  • فمن كان تعود لسانه على التلفظ بألفاظ خارجة عن الأدب وشكل ذلك جزءا من لغته اليومية، أصبح يراقب كلماته ويحاول أن ينقيها من البذاءة والألفاظ السيئة
  • ومن كان يتهاون في الاستيقاظ لصلاة الفجر في موعدها يجد في النوم عن الصلاة حرجا زائدا في رمضان فيعمل بجد على ضبط نفسه لأداء الصلاة في موعدها
  • ومن كانت تجد في نفسها كسلا عن تلاوة القرآن تجد نفسها تندرج في برنامج يومي لتلاوة جزء من القرآن يوميا على الأقل
  • ومن كان يدخن بشراهة في كل ساعة من ساعات يقظته يصبح يمنع نفسه قسرا عن هذه العادة السيئة معظم نهاره في رمضان
  • ومن تفرط في الطعام والشراب في كافة أشهر السنة وتستصعب حرمان نفسها عنها، تجد أنها قادرة بإرادتها أن توقف كافة أنواع الطعام بل حتى الماء نفسه في نهار رمضان
إن كل واحدة من هذه الأمور فرصة للإنسان لبناء عادات جديدة ومحو عادات قديمة سيئة كانت تسير حياته. والمهم في الموضوع أن أثر رمضان في هذا الجانب يستمر لما بعد رمضان إن كان لدى المرء جدية في هذا التغيير طويل المدى. فعلماء اللسلوك يرون أن الممارسة حتى تتحول إلى عادة تحتاج إلى ممارستها يوميا لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع حتى تبدأ في التحول إلى سلوك أساسي غير واعي لدى الإنسان، وهذا ما يوفره لنا رمضان لبناء عادات وسلوكيات جديدة تدوم معنا أبد الدهر.

ولئن تكاسلت الهمة وتقاعس الإنسان عن الالتزام بهذه العادات بعد حين، يأتي رمضان التالي ليعيد غرس الممارسات الإيجابية فينا وليدعمنا في طريق التغيير الإيجابي، مؤديا بذلك دور المرشد والموجه (mentor) لكل واحد منا. وإن كان الناس في الغرب يستغلون قدوم العام الميلادي الجديد لتغيير عاداتهم وتجديد حياتهم، فيما يسمى بتعهدات العام الجديد (new year resolutions)، فالأحرى بنا أن تكون لنا تعهداتنا مع دخول رمضان أن نخرج منه وقد أعدنا تشكيل عاداتنا وسلوكياتنا لتدوم معنا باقي حياتنا.

السبت، مارس 01، 2008

أوصد بعض الأبواب!

في مقالة في النيويورك تايمز بعنوان "فائدة إيصاد بعض الأبواب"، يتعرض الكاتب إلى عدم قدرة تخلي معظم الناس عن بعض الخيارات في حياتهم، حتى لو كانت هذه الخيارات غير عقلانية، وذلك لأن التخلي عن بعض الخيارات في الحياة هو أمر مؤلم نفسيا لمعظم الناس، بسبب شعور الفقد المصاحب له. ويستشهد الكاتب بدراسة أجراها د. دان أريلي، وهو باحث في الاقتصاديات السلوكية، أجراها في معهد مساتشوستس للتقنية (MIT)، كانت عبارة عن سلسلة من التجارب أجراها مئات من طلاب المعهد من خلال لعبة حاسوب، لم يتمكنوا من خلالها من التخلي عن خيارات غير عقلانية، حتى لو كانت مكلفة بالنسبة لهم. وقد نشر الباحث كتابا أسماه "لاعقلانية بطريقة يمكن التنبؤ بها - Predictably Irrational"، يوضح فيه نتائج دراساته فيما يتعلق بلاعقلانية تصرفات الناس، ومنها هذه القضية، عدم التخلي عن الخيارات غير المفيدة في الحياة، حتى لو كانت مكلفة.

ويعزو الباحث هذا الأمر إلى حب الناس لإبقاء خياراتهم في الحياة متعددة ومفتوحة. لكن السبب الحقيقي المختبئ وراء هذا هو عدم قدرة الناس على تحمل الألم الفوري المتعلق بالتخلي عن الخيارات واستعدادهم لدفع ثمن عدم التخلي هذا، الثمن الذي قد يكون وقتا ضائعا أو فرصا حقيقية مفقودة.

يستشهد الكاتب بقصة أحد القادة الصينيين من القرن الثالث قبل الميلاد، جيانغ يو، عندما حرق سفن جيشه ليمنعهم من التفكير بالهزيمة والعودة، فيكون بذلك قد أوصد بابا لخيار لاعقلاني. كما يذكر الزواج كمثال، عندما يرتبط كل من الزوجين بالآخر فيغلقان الباب على أية علاقات أخرى في المستقبل.

ويخلص الكاتب أن علينا أن نتصرف مثل جيانغ يو، ونغلق أبوابا لاعقلانية في حياتنا حتى نتمكن من التركيز على الفرص الحقيقة والهامة التي نعيش من أجلها.

تعقيبات
  • عندما يفكر كل منا بتأن، يجد أنه هناك فعلا أبواب كثيرة في حياتنا نبقيها مفتوحة برغم عدم وجود فرص حقيقية للنفع منها، وبالرغم من الثمن الذي ندفعه لإبقائها. وربما كان من الأولى أن نتحلى بالشجاعة ونغلقها لنتمكن من التركيز على المهم فعلا في حياتنا. وقد يكون من المفيد أن نقوم بجرد دوري لهذه الأبواب وإغلاق ما لاينفع. وأذكر هنا حديث الرسول -ص-، "احرص على ما ينفعك".
  • لقد كفانا الإسلام شرورا كثيرة وأراحنا بإغلاق أبواب يعاني غيرنا من صعوبة إيصادها، وعلى رأسها الخمر والميسر والزنا، فكم من أسر حطمها إدمان الخمر، وكم من أناس دمرهم القمار، وكم شغل الجري وراء الشهوة عقول رجال وحول حياتهم إلى اضطراب. فالحمد لله الذي حرم علينا الخبائث وأوصد لنا أبواب السوء (مع الإشارة إلى أنه ليس المقصود في المقالة المذكورة أبواب الشرور بالضرورة، بل عموم الخيارات اللاعقلانية).
  • لا أدري لماذا استشهد الكاتب بجيانغ يو، مع أن هناك مثال أقرب في القرن الثامن الميلادي، وهو مثال طارق بن زياد، الذي قال عبارته الشهيرة بعد أن أحرق سفن جيشه: "البحر من ورائكم والعدو من أمامكم". هل لأنه لا يعلم عن طارق بن زياد؟ أم لأنه لا يحب أن يستشهد بشخصيات إسلامية؟ في الحالتين هناك غمط للتراث الإسلامي تعودناه من الغرب، ليس في تاريخ القادة العسكريين فقط، بل في تاريخ العلوم والعلماء والفكر والمفكرين. وما ذاك في رأيي إلا بسبب رواسب دفينة تعود إلى فترات لم تكن فيها العلاقة بين الغرب وبين المسلمين علاقة صحية. وعلينا أن نتعاون بيننا وبينهم على إزالة هذه الرواسب.